بينا كنا جلوسا في مقعد على أحد شوارع كوبنهاجن خرج لنا ووقف أمامنا من بعد أن رأى في المجموعة عددا من السيدات يرتدين الحجاب اقترب منا ثم سأل بالإنجليزية ( هل أنتم مسلمون؟ ) أجبناه بالإيجاب فأقبل وهو يلقي السلام مردداً لنا أنا مسلم و لكن ..( أنا مسلم سيئ ) قالها وهو يقطع نظراتنا التي تقاطعت معه مستغربين من منظره. قالها وهو يحمل على يساره زجاجة تبدوا أنها ( خمراً ) لفها بورق الصحيفة. كان ثيابه متسخ للغاية ورائحته كريهة. هكذا كان يقف مايكل الدنماركي مرددا ( I am bad muslim ) لكن أنا أحب ديني تحدث إلينا وكانت تجاوره امرأة في نهاية الأربعينات تترنح وتهذي من فرط الشرب ويبدوا الضياع على ملامحهم .. قال لنا أنه عرف الإسلام عن طريق الصوفية وبدأ يتحدث ويتحدث لكن حقيقةً لم نمنحه الاهتمام ونفر الجميع منه بعد أن أثار مخاوف الأغلبية لكنه مافتئ يكررها أثناء حديثه مشيراً إلى زجاجة الخمر ( أنا مسلم سيئ) .تذكرت مشهد مايكل المسلم في بلاد ( الخواجات ) الذي قال لنا أنه اعتنق الإسلام بعد أحدا ث سبتمبر ..واستدعى عقلي المقارنة بينه وبين أصحاب أكثر ديانة في العالم ( الملحدون ) أو (اللادينيون ) التي تعجز الإحصائيات عن تأكيد رقمهم لأن بعضهم يخفونها لدواعي سيسولوجية واجتماعية ونفسية واحيانا قبلية بالنسبة للخليج العربي كله.
أستهل هذه المقدمة سخرية من وضعنا أمام (مايكل ) الذي يصر على التمسك بدين اعتنقه لكن لا يمانع أن يعترف بأنه ليس مسلماً جيداً وكان يبدوا في عينيه الرغبة على التغيير وذكرني حديثه بترديدنا لقول الرسول صلى الله عليه وسلم ( بمن يصدقون مع الله فيصدق الله معهم ) وهذا أكثر ما نفتقده كأمة مسلمة تكون صادقة مع ما تعانيه عوضاً عن أدوات ومفردات النفي والتطمينات التي لو كانت ملموسه لنفذت من فرط استخدام المسؤولون ورجال الدين في بلداننا لها. نعرف تماماً أننا دول إسلامية لكن هناك تكوين ديمغرافي وتنوع وضروف مجتمعية تحيط بهذا العدد الهائل والمتنامي من السكان ويزحف علينا أكثر يوما بعد آخر عولمة القرية الصغيرة بكل أشكالها.
لذلك يجب أن نعترف بأن دولنا التي تدعي إيمانها الكامل بالله إسلاماً في الوثائق والجوازات الوطنية التي يحملها أبنائها والمسجلة بقلم مثخن عند خانة الديانة ( مسلم / ــة ) بأن الوضع تغيير أو تدهور كما يحبون وصفه وفق أجندة القارئ ( فلا الدينية ) تتنامى يوما بعض يوم وأصبحنا ننتقل من إخفائها إلى المجاهرة خاصة من قبل فئة الشباب وبل تلتمس منهم المجاهرة عبر طرح أسئلة تقودك لفكر صاحبها مثل ذاك الذي يقول مستفهماً ( اليست الديانات هي المسببة للحروب في العالم ؟! فلماذا الإيمان والدين ؟) . من هذه النقطة ليتأكدوا بأنه داخل أوطاننا من هم من أبنائنا من يحملون هذه العقيدة ولننتقل على أثرها من مناقشة التدين إلى الإلحاد الذي صنعناه بأيدينا احيانا أخرى .وأمام هذا التنامي يجب أن يعي الخليج العربي بأن بين ظهرانيهم عددا منهم فالطفرة التي عاشتها المنطقة وابتعاث الآلاف من الطلبة من الصحراء إلى الغرب ( والصدمة الثقافية ) التي أوجدتها قد خلقت لبعضهم هذه العقيدة وشكلتها تلك البيئة مع ضعف التمسك الديني الذي أصبحت ممارسات وعادات أكثر منها إيمانا وخياراً قلباً وعقلاً..والإجبار بالتمسك وزجر أي تساؤل وتعميمها من باب ( لاتسألوا عن أشياء إن تبد لكم تسؤكم ). فأيهم أولا أن مع احترامنا لأطروحات علماؤنا أن ننتقد مذاهب الدين الواحد الذي لم يستهجنها الرسول وبل ولى أمرها الله .. (( فكل الفرق في النار إلا واحدة )) أو علينا نلتفت لطامة تكاد تأخذ أبناء الأمة كما أخذ الطوفان ابن نوح على مرأى منه.
المفاجئة الأخرى كانت في القاهرة حين كان يتحدث الشاب ذو 23 عاماً عربي من أسرة متدينة والدته ترتدي النقاب،والده أرسله لدور حفظ القرآن لينتهي به المطاف يسأل ( أين الله ) ؟!! لأستاذه بعد أن أغرق نفسه في كتاب كارل ماركس وقرر وضع القرآن بجانب الكتاب الأحمر – وفق حديثه - ومن ثم أسأله ما دينك الآن ؟ فيرد أن لا أؤمن بشي لكن أؤمن بالله فقط لكن لا أعتنق أي دين .
لذلك لا بد من ا لتنازل من غرور تعاملنا مع أوضاعنا و منحها قدسية وتتطهر بعيده عن الحقيقة وأن ننافق و نقبل بممارسات شريطة أن تكون تحت الطاولات... ونتواطأ جميعاً على الكذب القاتل الذي يزيد الوضع سوء مع مجتمع يعتبر فيه نسبة الشباب هي الأعلى وهم أكثر فئة عرضة لهذه التأثيرات وأن نبدأ ممارسة الشفافية في أبجديات حياتنا التعليمية والأسرية والدولية وإيجاد حلول لهذه المشكلة وأن نساهم بأن نجمعهم إلى كلمة سواء بيننا أخذين بفقه الواقع عن مخاطبتهم ( عوضا من أن نقطع دابر المشركين ) الذي هم من واقعاً من أصلابنا ..
فشتان بين من أصبح لا دين له بعد أن كانوا مسلماً... وبين من كان ولِد بلا دين أصلاً ثم أصبح مسلماً سيئاً !!
No comments:
Post a Comment