هناء الخمري - الجزيرة توك - القاهرة
كان من الطبيعي أن ينتابني الشعور بالقشعريرة تجاه الرحلة التي خصصت لمشاهدة "حفل الزار" خاصة أن العقل الجمعي والوعي يربط بينها وبين حياة اللاورائيات والميتافيزيقيا،والسينما المصرية كانت دائما ما تجعل صاحبة ذلك الوجه الأسود بطلة تلك الجلسات الممزوجة بأصوات عالية وطبول تخترق الأعصاب وطبلة الأذن مع مجموعة من الرجال والسيدات يدورون في حلقة باحثين فيها عن الخلاص وتبدأ رحلة تساقطهم وأحداً تلو الآخر.بدأت أرفل في شعور غامر بأني سأكون ضيفة عوالم الشعوذة والدجل والضحك على الذقون.تذكرت ذلك وأنا في طريقي لحي السيدة زينب الشعبي وسط القاهرة.
كانت الليلة هادئة للغاية على غير عادة القاهرة وتستفزك للأفكار والسيناريوهات الغير متوقعة."وصلنا" يقطع هذا الإعلان حبل خيالاتي.نبدأ بالنزول والفضول يلح علينا للاكتشاف.
بوابتين متتاليتان بالكاد تكفي لدخولك تفصلان بينك وبين ذلك العالم، وقفنا في الخارج تأملت المشهد.عن يميني المركز المصري للثقافة والفنون الذي اختار( مكان) عنواناً له ليحتضن الليلة بدفوفها وأبطالها ( مكان ) الذي أسسه الدكتور محمد المغربي بعد أن أخذ على عاتقه هم المساهمة في تسجيل وحماية الذاكرة من خلال البحث عن المأثور الموسيقى والغنائي الشعبي وجمعه وحفظه.كان" مكان" يقف في نهاية زاوية طويلة وأمامه يقع ضريح سعد زغلول الزعيم المصري وبين ( المكان ) والضريح أقف بين رمزية الموت والغرائبية .
دلفنا
أنا ومجموعة من ممثلي الصحافة الثقافية من مختلف الدول العربية لأدخل
بوابة تعود بك إلى زمن آخر داخل بيت صعيدي الطابع.صغير جداً والسقف قصير
تقف الفرقة ( الزارية ) بشكل يجد فيها المؤدى نفسه في قلب الجمهور وأجناس
وأشكال مختلفة عرب وأفارقة ومصريون و"خواجات" يمثلون السياح الأوربيون
يتحلقون حول الفرقة أنضم إليهم لأخذ مكاني من بين تلك الكراسي والوسائد
الذي تجمهروا عليها والسعادة ترتسم في وجوههم وهم يرتشفون من هذا الفن
الشعبي الذي اكتشفت أنه ذو حضور ثقافي كبير ويمثل تراث تفاخر الذاكرة
بإبرازه.
وبعد أن استوعبت الوضع الذي كنت فيه سقطت تهمة ( المكان ) من الخرافة التي كنت أحملها في رأسي لأكون في حضرة الزار... "ثقافياً" وأكتب عن تجربة لوجه ثقافي شعبي يتجسد في حفلات الزار.
كانت
تقف فرقة "مزاهر" في مساحة تتسع لهم بالكاد في تلك الغرفة الضيقة والست
مديحة أو "الكودية" وهو اسم يطلق على قائدة الفرقة بدأت أغنيتها بلكنة خاصة
ليست المصرية المتعارف عليها هي كانت مزيج بين المصري والأفريقي أو
بالتحديد "النوبي" تقول لي في حديث خاص بعد أن أخذت فاصلاً وبدأ الجمهور
استراحة الشاي الذي وزع عليهم في هذه الاحتفائية المميزة بأنها سافرت
وفرقتها وقدموا عروضاً في أسبانيا وفرنسا وبلجيكا وفرنسا وعدد كبير من
الدول العربية بعد أن أعلنت توبتها عن ممارسة الزار الحقيقي واستبداله
بالعروض الفنية والسياحية.
وقبل أن نكمل بدأ الجميع يعود إلى مقاعده لإكمال مقاطع جديدة من حفلة الزار وبدأت تعود دقات الدفوف بقوة كما بدأت تصدر الآلات المصاحبة لها أصوات تفقدك القدرة على إيصال أي جملة لمن يجاورك فقد كانت الآلات عبارة عن طبول أفريقية وبعضها صنعت من جلود الحيوانات إلى جانب حضور الناي وصوته المميزة الذي طغى على الألحان .
الزار
المتعارف عليه هو طقس وثني تمارسه القبائل الأفريقية وهو حفل لطرد الأسياد
التي تتقمص الأشخاص, او استرضائها بتقديم أضاحي وقرابين وأداء رقصات
إيقاعها سريع على دقات دفوف أو طبولا صاخبة على اعتقاد بان استحضار هذه
الأسياد وبإفصاحها عن اسمها تفقد قوتها.إلى أن الجمهور في تلك الليلة لم
يفقد قوته وكان تصفيقه يزداد مع وتيرة ارتفاع أصوات الآلات الموسيقية التي
كانت تختم قطعتها.وكانت الإضاءة الخافتة والأضواء التي كانت تضي بالكاد
وجوه الفرقة السوداء والسمراء المختلطة بالأصول المصرية تمنحك شعوراً
بالذهول يحفر في ذاكرتك،ناهيك عن أزياء الفرقة التي تحمل حكاية تراث كامل
وممارسة خاصة لشعوب أفريقية مختلطة.
وتجد أن تفاعل الفرقة الموسيقي وحركاتهم تذكرك بالحيوانات في الغابة الذي يمنحه الأفريقي قدسية كبيرة فتارة تجدهم في حالة قفز مفاجئ ودوران وحركات متسارعة بالتوازن مع سرعة الأصوات الموسيقية التي تتصاعد وتنخفض في لحظات اختتام القطعة. كما أن حميمية التجاور التي خلقتها أجواء "مكان" تجعل الست مديحة تتواصل مع الحاضرين بالنظر إليهم عندما تنطق كلمات أغنيتها وهو ماخلق تفاعلاً كبيراً بينهم.ولم يتوقف تفاعلنا الشخصي مع هذه التجربة حتى بعد أن غادرنا المكان فكلما جاء على لساننا أننا كنا ضيوف حفلة زار! تحملق العيون بالإستفهامات والفضول.لكن تبقى تجربة مكان وحفلة الزار شكل لابد أن نسلم بأهمية الاحتفاظ بها كتراث خاصة بعد أن قام الدكتور مغربي إلى تهذيبها وخلق لها بيئة تمكنهم الاستفادة من المخزون الثقافي الموسيقى والغنائي وخرج بها من الإطار التقليدي والوصول إلى حلول وأشكال إبداعية مختلفة وذلك من خلال زمان ومكان خاص بها ليخرجوا في النهاية بعمل إبداعي يتشارك بها معهم متعة اكتشافها وتذوقها القاصي والداني وتعلن عن رمزية ثقافية تتمثل في "الزار" جمعت أفريقيا والعرب عبر بوابة مصر بعد أن انطلقت قادمة من القرن الأفريقي."
كان من الطبيعي أن ينتابني الشعور بالقشعريرة تجاه الرحلة التي خصصت لمشاهدة "حفل الزار" خاصة أن العقل الجمعي والوعي يربط بينها وبين حياة اللاورائيات والميتافيزيقيا،والسينما المصرية كانت دائما ما تجعل صاحبة ذلك الوجه الأسود بطلة تلك الجلسات الممزوجة بأصوات عالية وطبول تخترق الأعصاب وطبلة الأذن مع مجموعة من الرجال والسيدات يدورون في حلقة باحثين فيها عن الخلاص وتبدأ رحلة تساقطهم وأحداً تلو الآخر.بدأت أرفل في شعور غامر بأني سأكون ضيفة عوالم الشعوذة والدجل والضحك على الذقون.تذكرت ذلك وأنا في طريقي لحي السيدة زينب الشعبي وسط القاهرة.
كانت الليلة هادئة للغاية على غير عادة القاهرة وتستفزك للأفكار والسيناريوهات الغير متوقعة."وصلنا" يقطع هذا الإعلان حبل خيالاتي.نبدأ بالنزول والفضول يلح علينا للاكتشاف.
بوابتين متتاليتان بالكاد تكفي لدخولك تفصلان بينك وبين ذلك العالم، وقفنا في الخارج تأملت المشهد.عن يميني المركز المصري للثقافة والفنون الذي اختار( مكان) عنواناً له ليحتضن الليلة بدفوفها وأبطالها ( مكان ) الذي أسسه الدكتور محمد المغربي بعد أن أخذ على عاتقه هم المساهمة في تسجيل وحماية الذاكرة من خلال البحث عن المأثور الموسيقى والغنائي الشعبي وجمعه وحفظه.كان" مكان" يقف في نهاية زاوية طويلة وأمامه يقع ضريح سعد زغلول الزعيم المصري وبين ( المكان ) والضريح أقف بين رمزية الموت والغرائبية .
وبعد أن استوعبت الوضع الذي كنت فيه سقطت تهمة ( المكان ) من الخرافة التي كنت أحملها في رأسي لأكون في حضرة الزار... "ثقافياً" وأكتب عن تجربة لوجه ثقافي شعبي يتجسد في حفلات الزار.
وقبل أن نكمل بدأ الجميع يعود إلى مقاعده لإكمال مقاطع جديدة من حفلة الزار وبدأت تعود دقات الدفوف بقوة كما بدأت تصدر الآلات المصاحبة لها أصوات تفقدك القدرة على إيصال أي جملة لمن يجاورك فقد كانت الآلات عبارة عن طبول أفريقية وبعضها صنعت من جلود الحيوانات إلى جانب حضور الناي وصوته المميزة الذي طغى على الألحان .
وتجد أن تفاعل الفرقة الموسيقي وحركاتهم تذكرك بالحيوانات في الغابة الذي يمنحه الأفريقي قدسية كبيرة فتارة تجدهم في حالة قفز مفاجئ ودوران وحركات متسارعة بالتوازن مع سرعة الأصوات الموسيقية التي تتصاعد وتنخفض في لحظات اختتام القطعة. كما أن حميمية التجاور التي خلقتها أجواء "مكان" تجعل الست مديحة تتواصل مع الحاضرين بالنظر إليهم عندما تنطق كلمات أغنيتها وهو ماخلق تفاعلاً كبيراً بينهم.ولم يتوقف تفاعلنا الشخصي مع هذه التجربة حتى بعد أن غادرنا المكان فكلما جاء على لساننا أننا كنا ضيوف حفلة زار! تحملق العيون بالإستفهامات والفضول.لكن تبقى تجربة مكان وحفلة الزار شكل لابد أن نسلم بأهمية الاحتفاظ بها كتراث خاصة بعد أن قام الدكتور مغربي إلى تهذيبها وخلق لها بيئة تمكنهم الاستفادة من المخزون الثقافي الموسيقى والغنائي وخرج بها من الإطار التقليدي والوصول إلى حلول وأشكال إبداعية مختلفة وذلك من خلال زمان ومكان خاص بها ليخرجوا في النهاية بعمل إبداعي يتشارك بها معهم متعة اكتشافها وتذوقها القاصي والداني وتعلن عن رمزية ثقافية تتمثل في "الزار" جمعت أفريقيا والعرب عبر بوابة مصر بعد أن انطلقت قادمة من القرن الأفريقي."
No comments:
Post a Comment