منذ ثلاثة أعوام نبت ملكاً شاب في الجزيرة العربية، وهذا الشاب يعيث اليوم في الأرض نزاعات ويجز رأس الكلمة الحرة، ويرجم حرية التعبير ويزج المعارضين في السجون. يرتدي أدواراً مختلفة ومتنوعة في آن، فهو السياسي والعسكري، والعقل الأمني والاقتصادي وحتى الترفيهي والخيري، لقد استحوذ على كل الشارات الرسمية، ومرر بعضها إلى إخوته وأحاط بنفسه بأوليغارشية جديدة تمنح الولاء المطلق للحاكم المطلق.
في أحد المساءات تهامس أفراد الرعية في المقاهي الشعبية، أي أن هذا الملك الشاب استنفد أموال الشعب في حرب كارثية ووحشية، وأشعل نزاع مع دولة مجاورة، وبأن الشاب لايعتني بشعبه الذي يعاني من ارتفاع الأسعار، وفواتير الإيجارات، والكهرباء والماء. وأن على المواطن أن يدفع مقابل الخدمات، وأن سياسات التقشف التي تفرضها الدولة، قطعت نصف رواتب الموظفين، وأن المهاجرين من العمال، تحولوا لكبش فداء لدفع ضريبة أخطاء النظام، وفرض عليهم دفع أموال طائلة لتبرير بقائهم في أرض الحرمين الشريفين.
فرضت الضرائب ظلماً وبهتاناً في حين يبذرهذا الشاب أموال الشعب في شراء قصور فارهة ويخت، ولوحات فنية بمليارات الدولارات.
يأتي صوت أحد الرعية هامساً: إن هذا الصغير يفتقر إلى الخبرة في الحكم وإن قراراته الأحادية والمتهورة سوف تؤدي للهلاك، لكن لاخيار لنا إلا التصفيق، الهجرة، أو السجن وقطع الرؤوس.
وذات يوم هبطت شركة محتالة إلى المملكة، هذه الشركة تحيك وتمنح الإستشارات للدول والمماليك. هذه الشركة تجوب العالم وتبيع الوهم وتدعي أن الحكماء والأذكياء فقط يستطيعون فهم خططهم واستشارتهم العظيمة.. لقد سمع الملك الشاب عن تلك الشركة وطلب من حاشيته دعوة اصحابها واستضافتهم. وحصل اللقاء. على الفور، أغدق عليهم بالأموال، ووعدت الشركة النظام الشمولي الناشيء بتصميم رؤية استثنائية عظيمة “سوف يحسدك الجميع عليها “، الشركة تؤكد أن الحكماء والأكفاء فقط سيتمكنون من رؤية نتائج الخطط التي سيضعونها، وإن أولئك الذين لا يستطيعون تلمس الرؤية هم أغبياء.
فكّر الملك الشاب مليئاً ورأى أنا هذا الشرط كفيل بأن يكشف له عن حقيقة مستشاريه ومدى كفائتهم في عملهم من عدمه. لقد أغدق ذلك الملك الكثير من الأموال على الشركة وأمر جميع رجاله أن لايتم إزعاجها حتى تنتهي من صياغة الرؤية…. بعث الصغير وزيره لتفقد الرؤية، كان الوزير خائفاً من أن يفشل في تلمس الرؤية.. عرض المستشارون التغييرات العظيمة التي طرأت على اقتصاد الدولة التي تعاني من تداعيات هبوط أسعار النفط حتى قبل تطبيق توصيات الرؤية. لم يفهم ولم يرى المستشار أي تغييرات ملموسة لكنه أدعى أنها رؤية جميلة وأنيقة، عاد الوزير إلى سيده وأدعى أن الرؤية ممتازة وتحوي على نقوش نيولبرالية عظيمة وساحرة وبدأ العالم يصفق والإعلام يصور، وبدأت الصحف تكتب أنهم لم يلقوا إقتصاداً مزخرفاً بهذه الروعة وبهذا الجمال، وبأن الملك الشاب الجديد مصلح عظيم وثوري ويريد أن يوقف إدمان الشعب على النفط.
وبينما أنشغل الملك في أداء الحوارات العالمية، عرض المحتالان الرؤية الجديدة على الشاب المفدى، فبدأ فوراً بإرتدائها وإلتقاط الصور بجانبها وانتشرت أخبار الرؤية في المدينة وتتطلع الشعب للقائها والتعرف على الرؤية…رُتبت مسيرة ضخمة في المدينة لإستعراض الرؤية، وعلقت صور سموه وبدأت الرعية تهتف خوفاً لا إعجاباً، وما أن وصل الشاب إلى قلب المدينة جاء صوت من أصوت الجموع صارخاً، لكن “الرؤية عارية”، وجاء صوت ثان “لماذا لم نساهم في كتابة الرؤية؟” وبعد تمعن لاحظت الرعية أن الرؤية تحتوي على كلمات براقة لكنها تفتقر لحلول حقيقية ودائمة، وأن الفقراء يزدادون فقراً والأغنياء يزدادون ثراء… وأن لا رقابة ومحاسبة على الإمبراطور الذي باع الشعب في سبيل التصفيق. وأن الطبقة المتوسطة تركت لرحمة السوق المتقلب والإحتكار، وأن لا وجود لمجتمع مدني مستقل يحمي الأفراد، وأن النظام يقوم بتحول اقتصادي بدون تمثيل سياسي وفتح قنوات التعددية والمشاركة الديمقراطية.
أنضم كاتب اقتصادي إلى الصوت الشجاع وانتقد الرؤية وأشار إلى أخطائها وعدم وضوحها، وحذر من بيع الموارد الطبيعية للبلاد، فأعتقله الملك الشاب، انتقدت جموع أخرى الحكم الشمولي، والنزاعات مع الدول الجوار، فاعتقلوا، ومنهم من أُجبر على الرحيل إلى المنفى.
وعندما فشلت الرؤية في تحقيق تغيير جذري وأكتشف الملك الشاب أن استشاريه الخاصيين كذبوا عليه حول مفعول الرؤية السحرية، وأن أبناء عمومتة يتربصون به شراً أعتقلهم جميعاً وزج بهم في السجن الفندقي وعذبهم في مساحات باذخة.. وأجبر الجميع أن يدفعوا ثمن حريتهم حتى يخففوا العبأ الإقتصادي على الأمبراطور وينقذوا شرعيته وأن يمنحوه الولاء المطلق.
وليمتص الملك الشاب غضب الشعب، قام باستدعاء السيرك للترفيه عبر السينما، والمصارعة الحرة والحفلات الغنائية. وقام بتوزيع بعض فتات الخبز وأعاد بعض المكافآت والمزايا المالية لموظفي الدولة من مدنيين وعسكريين، كما وقاد حملات قمع وإسكات للأصوات المنتقدة له، وبدأت الأقلام في الإعلام الجديد تختبئ خوفاً من سيفه وبدأ الناشطون يغرقون في الصمت والسجون تتكدس بالمعارضين بينما يصفق العالم للمستبد الشاب الذي منح المرأة حق القيادة، وفي ذات الوقت اغتصب حقها في الاحتجاج والكلام، منح المرأة قلادة ومناصب وسجن والدته في القصر الكبير حتى لا تتمرد عليه.
العالم مشغول بيبانات الملك الشاب الأنيق وصولاته وجولاته لكن لا عزاء للكلمة الحرة التي تتدثر بالخوف، الكلمة الحرة التي ترجم، تقذف وتُجلد بسياط المستبد، لا عزاء للنسوية التي يكمم صوتها بعباءة الأب السياسي، لا عزاء للإصلاحيين والحقوقيين المُجبرين على الصمت ويزج بهم في زنزانة الملك.. العاري!
هناء الخمري...
المقالة نشرت أولاً في موقع القلم الدولي