من منعها من قيادة السيارة مروراً بكونها صحافية "القطعة"
المحظور دخولها المؤتمرات، الى فصلها من العمل لأنها تجرأت على المساءلة، تعيش
الصحافية السعودية اليوم داخل قفص محكم الاغلاق، رممه لها مجتمع ذكوريّ متعصّب.
ولكنها تثور والثورات الكبيرة هي تلك التي تتحضّر على نار هادئة.
ولكنها تثور والثورات الكبيرة هي تلك التي تتحضّر على نار هادئة.
هناء الخمري- المملكة العربية السعودية
ُبلغت ذات يوم - وذلك منذ حوالى عشر سنوات - بخبر ترقيتي لمنصب
"نائب رئيس تحرير". وبعد تلقي التهنئة من الزملاء والزميلات، أخذ
الخبرمنحى آخر ومسمى آخر.
وفجأة تجمد أو لنقل تبخر، وذلك بسبب تهديد أحد المسؤولين بالجريدة باستقالته من
منصبه لو تسنى لي تولى هذه المسؤولية!
هذه قصة "أمجاد محمود رضا"، صحافية وإعلامية، يتناقلها الوسط الصحفي عند النقاش عن واقع العمل الإعلامي للمرأة في السعودية.
ورضا من اولى الصحافيات اللواتي انخرطن في العمل الإعلامي بعد إنهاء دراستها الأكاديمية في القاهرة وأول امرأة تبلغ منصب مدير تحرير صحيفة سعودية .
أمجاد قالت في حوار لها مع صحيفة الحياة اللندنية أن هناك مشكلة أخرى تعاني منها صحافتنا وهي "عقدة الذكورة"، وهي عقدة مهيمنة.
فالرجال يتولون المناصب القيادية في جريدة نسائية محلية، وبقراءة ترويستها نراها تخلو من أي اسم نسائي قيادي على رغم أنها جريدة موجهة إلى المرأة السعودية والعربية في آن واحد.
غادرت الأستاذة أمجاد الصحافة اليوم وتفرغت للبحوث كما وأصدرت كتابين أحدهما بعنوان: "عمل المرأة السعودية في وسائل الإعلام" والآخر بعنوان "الملتقى الثقافي النسائي بجدة " بعد أن أثير في الوسط أنهم يرفضون منحها في المؤسسة التي كانت تعمل فيها صلاحيات إصدار القرار وإجازة المواضيع للنشر مباشرة كونها امرأة. فالمجتمع الذكوري لم يعتد على هذا القدر من المشاركة رغم أنها مدير تحرير و يُشهد لها بالكثير من الإنجازات ورغم كونها أول امرأة خليجية ومسلمة تتابع عن كسب وتغطي أحداث الحرب الأفغانية الروسية.
نحن لا ندخل النساء
هذا يجعلنا نرغب في الغوص بعد أكثر في الموضوع لنبرز المشكلات التي تواجهها المرأة التي اختارت الصحافة في بلد كالمملكة العربية السعودية.
غالباً ما نلاحظ انه في المؤسسات الصحافية، اسم الرجل يسبق اسم المرأة، دائماً، في الموضوعات الصحفية المشتركة، حتى لو كان الاسم النسائي أعلى منصباً وأكثر خبرة، ما يؤكد عقدة الذكورة التي تحدثت عنها السيدة أمجاد.
لذلك إذا كنت صحافي فمن الطبيعي ان تواجه المتاعب. ولكن، ان كنت صحافي وامرأة في السعودية، فستواجه متاعب أكثر!
تتحدث عن ذلك "صبرية جوهر" وهي مدير تحرير صحيفة "سعودي جازيت" (هي تجيد الإنجليزية بطلاقة). وهي امرأة لا يظهر من وجهها شيء سوى عينيها كونها ترتدي النقاب.
التقينا بالسيدة جوهر داخل مؤسسة "عكاظ للصحافة والطباعة والنشر" حيث مقر عملها ( سابقا ) قبل أن تقدم استقالتها وتسافر لإكمال دراساتها العليا.
" كنت متوجهة لحضور مؤتمر لوزير الخارجية السعودي. فتفاجأت برجل الأمن يمنعني من الدخول كوني "حرمة" أي بمعنى امرأة. فقلت له:" أنا لست كذلك بل أنا صحافية وجئت أمثل الصحيفة باختيار رسمي". لكنه أصر على استغرابه واستنكاره من تواجدي مكررا أكثر من مرة:" نحن لا ندخل النساء ".
اخبرتنا جواهر وهي تحدثنا عن حادثة تعرّضت لها اثناء قيامها بعملها. وكتكملة للقصة، افادت بأنها اضطرت لأن "تنزل الى مستواه" في النقاش حين سألها :"ألا ينتظرك زوجا في البيت لتعدي له طعام الغذاء؟". فردت عليه:" بلى ولابد أن زوجتك أعدت الغذاء لك. مارأيك أن تدعني أدخل ليذهب كلا منا بعدها إلى زوجه؟!".
وقد أنقذها مدير المؤتمر من حوار ملؤه الشد والصد مع رجل الأمن وأمر بإدخالها بعد أن قامت بالاتصال به.
وقد سمح لها الوزير بعد أن ولجت المؤتمر بأن تفتتح المؤتمر بسؤال منها وتختمه بسؤال أخير منها استثناء لم يمنحه أحد.
مما يقودنا إلى الاعتراف بأنه حان أن تتغير النظرة القاصرة للصحفيات التي تأتي كنتيجة اجتماعية بالدرجة الأولى.
ُسمح في العام الماضي، في جامعة "أم القرى"(وهي إحدى الجامعات الحكومية)، ولأول مرة في البلاد، بتدريس تخصص الصحافة والعلاقات العامة للطالبات.
ويرزح تخصص الإذاعة والتلفزيون تحت جدل الامتناع عن فتحه أو تأجيله لأجل غير مسمى ( لاعتراض بعض الآراء التي ترى فيه انتهاك لخصوصية المجتمع الذي لم يعتد ظهور نسائه على التلفاز ).
كل ذلك في الوقت الذي لا تشجع الأسر فتياتها على دخول هذه المهنة خاصة أن المجتمع كان يعتبر كتابة المرأة لاسمها مرفقا باسم عائلتها في الصحف عارا وعيب بالغا.
لذلك كن يستعضن عن اسمائهن بأسماء مستعارة حتى بدأت هذه الفكرة بالاضمحلال شيء فشيء مع برامج البعثات للفتيات بهدف الدراسة في الجامعات الأوربية والأمريكية وانتشار تعليم المرأة. لكن مازال هناك من المتمسكين بهذه التقاليد مما يضطر بعض النساء العاملات في الصحافة الى نشر مواضيعن باسمائهن يليها اسم والدهن عوضا عن الإشارة لاسم القبيلة التي تنتمي اليها اهلها حتى لا تتعرض لمضايقات.
هذا الواقع قيض من فيض من واقع البيئة الاستثنائية الذي تحياها المرأة العاملة في الصحافة السعودية، رغم أنها أثبتت جدارتها من خلال عدة تحقيقات وحوارات ناجحة برغم قلة الأدوات والمعوقات.
أول تلك المعوقات تكمن في عدم توفر اكاديمية اعلام في الجامعات السعودية للفتيات ( وذلك لوجهة النظر التي ترى في ان هذا التخصص لايصلح للمرأة).
فغالبية العاملات في الصحافة تخصصن في مجالات بعيدة كل البعد عن الإعلام كما اعتمدن على الممارسة.
فالمرأة العاملة لا تستطيع قيادة السيارة رغم عملها في مهنة تتطلب الكثير من العمل الميداني.
كما ان المرأة غائبة عن "المطبخ الصحافي" في المؤسسات الصحافية كونها تعيش فقط في أقسام نسائية مغلقة.
وحقيقة تواجد المرأة في هذه المهنة في البداية كان لعدم قدرة الرجل الصحافي مزاكبة الأنشطة والبرامج النسائية في المجتمع. فخصصت المؤسسات لها هذا القسم النسائي لتبدأ رحلة التحرير "داخل الصندوق".
لكن المحررات سعين جاهدات إلى الخروج من بوتقة التحرير النسائي وصفحات المرأة وسقفه المحدود إلى التحرير في كافة الصفحات المحلية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
من المعوقات الأخرى يأتي عدم منح الصحافيات أي فرص تدريبية من قبل المؤسسات، ناهيك عن الرواتب الضئيلة مقارنة بزملائهن رغم أنهن يقدمن الأعمال نفسها.
وتتحدث محررة (ترفض ذكر اسمها) كيف أنها أمضت في المؤسسة التي تعمل فيها 10 سنوات تعمل بنظام " القطعة" بدون أن يكون لها أي حقوق أو عقد رغم أنها أنجزت موضوعات أخذت طريقها إلى الصفحة الأولى،هذا عدا مواضيع السبق الصحافي التي منحتها للصحيفة دون ان يتم تحسين وضعها المادي والمهني.
وقد أثير في العام الماضي جدلاً بعد أن ُمنعت مجموعة من الصحافيات من دخول إحدى المؤتمرات لأنها كان حكراً على الرجال.
وهذا قد يحدث غالباً لان المجتمع بأكمله ذات طابع ذكوري وأغلب الأنشطة التي يشهدها الجنسين تأخذ بحسبانها تخصيص مكان للصحافيات حيث يمنع اختلاطهن بالرجال أو لا يتم دعوتهن إذا لم يوفر مثا هكذا مكان.
من الأمور الطريفة التي نتوقف عندها هي أن وزارة "الخدمة المدنية" - وهي الجهة التي تقوم بالتوظيف وحيث يقدم الموظفون شكواهم ضد شركاتهم – لا تعطي للإعلاميات مسميات وظيفية ولا تصنيف وظيفي.
هذا الأمر أدى إلى عدم خضوع الإعلاميات للترقيات. فأقصى ما تبلغه الصحافية في سلم التوظيف هو مسؤولة تحرير عن القسم النسائي، رغم أن الصحافة السعودية الناطقة بالإنجليزية منحتها منصب مدير تحرير تنفيذي. وقد فسّر ذلك بكونها تستهدف الجاليات أكثر من المواطنين أنفسهن .
ذكرت هذا الموضوع الإعلامية "لبنى الطحلاوي"في ورقة عمل في ورشة بعنوان "دور الإعلامية في دعم العمل الخيري "الذي أقيم الأسبوع الماضي.
وقد تطرقت فيه الى الحديث عن التحديات التي تواجه الإعلاميات فأوردت على سبيل المثال المادة العاشرة من قانون السياسة الإعلامية في المملكة التي تنص على "التسليم بأن النساء شقائق الرجال. فإن وسائل الإعلام تلحظ في عمق الفطرة الخاصة بالمرأة الوظيفة التي أناطها الله بها وتعمل على أن تحضها ببرامج تعينها على أداء وظائفها الملائمة لفطرتها في المجتمع".
إلا أن هذه المادة لم يتم تطويرها لتواكب المستجدات على الساحة الإعلامية كي تفعّل من خلالها عدة قوانين تلبي كافة الاحتياجات الملحة وتضمن حصول الإعلامية على كافة حقوقها المادية والأدبية والمعنوية
كما وتطرقت الى كيفية معاملة عدد كبير من الصحافيات على اختلاف تخصصاتهن بنظام المكافآت "بالقطعة".
وهذا يعود لأصحاب العمل من قيادات ورؤساء وغيرهم وتقديرهم الشخصي بعيداً عن الموضوعية أحيانا.
مهنة المتاعب
في المجال الصحافي السعودي هناك العديد من قضايا "هضم الحقوق".
فنرى ان الصحافية عليها ان تعمل تحت قيادة قد تعمل على إحباطها.
وقد تناول منتدى الإعلاميات السعوديات الثاني في مطلع العام الماضي- الذي أقيم بالعاصمة السعودية بمشاركة عدد كبير من الإعلاميات والصحفيات والمذيعات- كيف تسببت مداخلة للمذيعة "وفاء بكر يونس" في إقالتها من العمل من الإذاعة أثناء حضورها المنتدى برعاية الأميرة "عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيزآل سعود"، والذي نظمه مركز المرأة السعودية الإعلامي تحت عنوان " رؤية إعلامية لآفاق اقتصادية".
وكانت المذيعة قد انتقدت بشدة حقوقها وحقوق زميلاتها المهدرة وذكرت بأنها لم تستلم حقوقها المادية منذ أربعة أشهر إضافة إلى عدم تثبيتها بعد مرور سبعة عشر عاماً من العمل المتواصل. ومعنوياً استشهدت بما حصل لزميلتها من إهانة من قبل زميلها بالعمل وكيف أنها لجأت للإعلام لكي ينصفها ويوصل صوتها للمسؤول بعد أن تجاهلها مسؤولو الإذاعة.
كما تم إيقاف الإذاعية "فاطمة العنزي" عن العمل لنفس الأسباب .
وجاء الرد سريعاً بحق وفاء يونس وفاطمه العنزي من وكيل الوزارة المساعد للإذاعة في خطاب رسمي موجه لمدير عام الرياض بتاريخ السبت 18/4/ 1428 بايقاف التعاون معهما لما وصفه بالانتقادات للمسؤولين في الوزارة دون سابق تفاهم بدعوى، إلى أن مشكلات العمل لا تناقش في الخارج وفي العلن .
وفي نفس المنتدى تم إقرار مجموعة من التوصيات الختامة تتمثل في كل ما تفتقر إليه المرأة العاملة في هذه المهنة منه:
- تحديد سلم وظيفي للإعلاميات.
- ازالت الصعوبات والعراقيل التي تواجهها الإعلاميات في التدريب.
- تطوير الإعلاميات والنهوض بمستواهن في كافة المجالات.
- إيجاد قانون لحماية الإعلامية وحقوقها.
- تقنين منح لقب إعلامية لعدم وجود دراسة أكاديمية تمنح هذا اللقب عن جدارة.
- فتح قسم صحافة وإعلام في جامعة الملك سعود.
- تعزيز صورة المرأة في الإعلام.
- اقتراح وجود وكيلة لشؤون المرأة الإعلامية في وزارة الإعلام .
- تشجيع الصحافة الإلكترونية باعتبارها تقنية تجد إقبالاً كبيراً من كثير من الفئات.
يجدر الإشارة أن محمد رضا هو اول رئيس تحرير قام بتعيين "سارة القثامي" مديرة للتحرير في «عكاظ» بقرار منه صدر في 1980.
ثم عين تركي السديري "خيرية السقاف" مديرة للتحرير في صحيفة الرياض في عام 1981.
وقرر محمد حسن قزاز في البدايات أن يخصص صفحة للمرأة في جريدة «البلاد» وبادر بترشيح الأستاذة "ثريا قابل" لعضوية مجلس إدارة الجريدة.
وتولت الصحافية "سمية جبرتي" مهام مدير التحرير التنفيذي لصحيفة "عرب نيوز" الناطقة باللغة الإنجليزية.
كما وقام الأخوين هشام ومحمد على حافظ بتعيين "الدكتورة فاتنة شاكر" لتكون أول رئيسة تحرير سعودية لمجلة سيدتي في عام 1980.
ذلك بعض من ذاكرة التاريخ لنضال المرأة السعودية في مهنة المتاعب وبعض من سيناريوهات معيشتها.
لعلّ اول دفعة تتخرج من الصحافة والاعلام بعد ثلاث سنوات سيكون لها مستقبلا افضل
هذه قصة "أمجاد محمود رضا"، صحافية وإعلامية، يتناقلها الوسط الصحفي عند النقاش عن واقع العمل الإعلامي للمرأة في السعودية.
ورضا من اولى الصحافيات اللواتي انخرطن في العمل الإعلامي بعد إنهاء دراستها الأكاديمية في القاهرة وأول امرأة تبلغ منصب مدير تحرير صحيفة سعودية .
أمجاد قالت في حوار لها مع صحيفة الحياة اللندنية أن هناك مشكلة أخرى تعاني منها صحافتنا وهي "عقدة الذكورة"، وهي عقدة مهيمنة.
فالرجال يتولون المناصب القيادية في جريدة نسائية محلية، وبقراءة ترويستها نراها تخلو من أي اسم نسائي قيادي على رغم أنها جريدة موجهة إلى المرأة السعودية والعربية في آن واحد.
غادرت الأستاذة أمجاد الصحافة اليوم وتفرغت للبحوث كما وأصدرت كتابين أحدهما بعنوان: "عمل المرأة السعودية في وسائل الإعلام" والآخر بعنوان "الملتقى الثقافي النسائي بجدة " بعد أن أثير في الوسط أنهم يرفضون منحها في المؤسسة التي كانت تعمل فيها صلاحيات إصدار القرار وإجازة المواضيع للنشر مباشرة كونها امرأة. فالمجتمع الذكوري لم يعتد على هذا القدر من المشاركة رغم أنها مدير تحرير و يُشهد لها بالكثير من الإنجازات ورغم كونها أول امرأة خليجية ومسلمة تتابع عن كسب وتغطي أحداث الحرب الأفغانية الروسية.
نحن لا ندخل النساء
هذا يجعلنا نرغب في الغوص بعد أكثر في الموضوع لنبرز المشكلات التي تواجهها المرأة التي اختارت الصحافة في بلد كالمملكة العربية السعودية.
غالباً ما نلاحظ انه في المؤسسات الصحافية، اسم الرجل يسبق اسم المرأة، دائماً، في الموضوعات الصحفية المشتركة، حتى لو كان الاسم النسائي أعلى منصباً وأكثر خبرة، ما يؤكد عقدة الذكورة التي تحدثت عنها السيدة أمجاد.
لذلك إذا كنت صحافي فمن الطبيعي ان تواجه المتاعب. ولكن، ان كنت صحافي وامرأة في السعودية، فستواجه متاعب أكثر!
تتحدث عن ذلك "صبرية جوهر" وهي مدير تحرير صحيفة "سعودي جازيت" (هي تجيد الإنجليزية بطلاقة). وهي امرأة لا يظهر من وجهها شيء سوى عينيها كونها ترتدي النقاب.
التقينا بالسيدة جوهر داخل مؤسسة "عكاظ للصحافة والطباعة والنشر" حيث مقر عملها ( سابقا ) قبل أن تقدم استقالتها وتسافر لإكمال دراساتها العليا.
" كنت متوجهة لحضور مؤتمر لوزير الخارجية السعودي. فتفاجأت برجل الأمن يمنعني من الدخول كوني "حرمة" أي بمعنى امرأة. فقلت له:" أنا لست كذلك بل أنا صحافية وجئت أمثل الصحيفة باختيار رسمي". لكنه أصر على استغرابه واستنكاره من تواجدي مكررا أكثر من مرة:" نحن لا ندخل النساء ".
اخبرتنا جواهر وهي تحدثنا عن حادثة تعرّضت لها اثناء قيامها بعملها. وكتكملة للقصة، افادت بأنها اضطرت لأن "تنزل الى مستواه" في النقاش حين سألها :"ألا ينتظرك زوجا في البيت لتعدي له طعام الغذاء؟". فردت عليه:" بلى ولابد أن زوجتك أعدت الغذاء لك. مارأيك أن تدعني أدخل ليذهب كلا منا بعدها إلى زوجه؟!".
وقد أنقذها مدير المؤتمر من حوار ملؤه الشد والصد مع رجل الأمن وأمر بإدخالها بعد أن قامت بالاتصال به.
وقد سمح لها الوزير بعد أن ولجت المؤتمر بأن تفتتح المؤتمر بسؤال منها وتختمه بسؤال أخير منها استثناء لم يمنحه أحد.
مما يقودنا إلى الاعتراف بأنه حان أن تتغير النظرة القاصرة للصحفيات التي تأتي كنتيجة اجتماعية بالدرجة الأولى.
ُسمح في العام الماضي، في جامعة "أم القرى"(وهي إحدى الجامعات الحكومية)، ولأول مرة في البلاد، بتدريس تخصص الصحافة والعلاقات العامة للطالبات.
ويرزح تخصص الإذاعة والتلفزيون تحت جدل الامتناع عن فتحه أو تأجيله لأجل غير مسمى ( لاعتراض بعض الآراء التي ترى فيه انتهاك لخصوصية المجتمع الذي لم يعتد ظهور نسائه على التلفاز ).
كل ذلك في الوقت الذي لا تشجع الأسر فتياتها على دخول هذه المهنة خاصة أن المجتمع كان يعتبر كتابة المرأة لاسمها مرفقا باسم عائلتها في الصحف عارا وعيب بالغا.
لذلك كن يستعضن عن اسمائهن بأسماء مستعارة حتى بدأت هذه الفكرة بالاضمحلال شيء فشيء مع برامج البعثات للفتيات بهدف الدراسة في الجامعات الأوربية والأمريكية وانتشار تعليم المرأة. لكن مازال هناك من المتمسكين بهذه التقاليد مما يضطر بعض النساء العاملات في الصحافة الى نشر مواضيعن باسمائهن يليها اسم والدهن عوضا عن الإشارة لاسم القبيلة التي تنتمي اليها اهلها حتى لا تتعرض لمضايقات.
هذا الواقع قيض من فيض من واقع البيئة الاستثنائية الذي تحياها المرأة العاملة في الصحافة السعودية، رغم أنها أثبتت جدارتها من خلال عدة تحقيقات وحوارات ناجحة برغم قلة الأدوات والمعوقات.
أول تلك المعوقات تكمن في عدم توفر اكاديمية اعلام في الجامعات السعودية للفتيات ( وذلك لوجهة النظر التي ترى في ان هذا التخصص لايصلح للمرأة).
فغالبية العاملات في الصحافة تخصصن في مجالات بعيدة كل البعد عن الإعلام كما اعتمدن على الممارسة.
فالمرأة العاملة لا تستطيع قيادة السيارة رغم عملها في مهنة تتطلب الكثير من العمل الميداني.
كما ان المرأة غائبة عن "المطبخ الصحافي" في المؤسسات الصحافية كونها تعيش فقط في أقسام نسائية مغلقة.
وحقيقة تواجد المرأة في هذه المهنة في البداية كان لعدم قدرة الرجل الصحافي مزاكبة الأنشطة والبرامج النسائية في المجتمع. فخصصت المؤسسات لها هذا القسم النسائي لتبدأ رحلة التحرير "داخل الصندوق".
لكن المحررات سعين جاهدات إلى الخروج من بوتقة التحرير النسائي وصفحات المرأة وسقفه المحدود إلى التحرير في كافة الصفحات المحلية والاقتصادية والسياسية والثقافية وغيرها.
من المعوقات الأخرى يأتي عدم منح الصحافيات أي فرص تدريبية من قبل المؤسسات، ناهيك عن الرواتب الضئيلة مقارنة بزملائهن رغم أنهن يقدمن الأعمال نفسها.
وتتحدث محررة (ترفض ذكر اسمها) كيف أنها أمضت في المؤسسة التي تعمل فيها 10 سنوات تعمل بنظام " القطعة" بدون أن يكون لها أي حقوق أو عقد رغم أنها أنجزت موضوعات أخذت طريقها إلى الصفحة الأولى،هذا عدا مواضيع السبق الصحافي التي منحتها للصحيفة دون ان يتم تحسين وضعها المادي والمهني.
وقد أثير في العام الماضي جدلاً بعد أن ُمنعت مجموعة من الصحافيات من دخول إحدى المؤتمرات لأنها كان حكراً على الرجال.
وهذا قد يحدث غالباً لان المجتمع بأكمله ذات طابع ذكوري وأغلب الأنشطة التي يشهدها الجنسين تأخذ بحسبانها تخصيص مكان للصحافيات حيث يمنع اختلاطهن بالرجال أو لا يتم دعوتهن إذا لم يوفر مثا هكذا مكان.
من الأمور الطريفة التي نتوقف عندها هي أن وزارة "الخدمة المدنية" - وهي الجهة التي تقوم بالتوظيف وحيث يقدم الموظفون شكواهم ضد شركاتهم – لا تعطي للإعلاميات مسميات وظيفية ولا تصنيف وظيفي.
هذا الأمر أدى إلى عدم خضوع الإعلاميات للترقيات. فأقصى ما تبلغه الصحافية في سلم التوظيف هو مسؤولة تحرير عن القسم النسائي، رغم أن الصحافة السعودية الناطقة بالإنجليزية منحتها منصب مدير تحرير تنفيذي. وقد فسّر ذلك بكونها تستهدف الجاليات أكثر من المواطنين أنفسهن .
ذكرت هذا الموضوع الإعلامية "لبنى الطحلاوي"في ورقة عمل في ورشة بعنوان "دور الإعلامية في دعم العمل الخيري "الذي أقيم الأسبوع الماضي.
وقد تطرقت فيه الى الحديث عن التحديات التي تواجه الإعلاميات فأوردت على سبيل المثال المادة العاشرة من قانون السياسة الإعلامية في المملكة التي تنص على "التسليم بأن النساء شقائق الرجال. فإن وسائل الإعلام تلحظ في عمق الفطرة الخاصة بالمرأة الوظيفة التي أناطها الله بها وتعمل على أن تحضها ببرامج تعينها على أداء وظائفها الملائمة لفطرتها في المجتمع".
إلا أن هذه المادة لم يتم تطويرها لتواكب المستجدات على الساحة الإعلامية كي تفعّل من خلالها عدة قوانين تلبي كافة الاحتياجات الملحة وتضمن حصول الإعلامية على كافة حقوقها المادية والأدبية والمعنوية
كما وتطرقت الى كيفية معاملة عدد كبير من الصحافيات على اختلاف تخصصاتهن بنظام المكافآت "بالقطعة".
وهذا يعود لأصحاب العمل من قيادات ورؤساء وغيرهم وتقديرهم الشخصي بعيداً عن الموضوعية أحيانا.
مهنة المتاعب
في المجال الصحافي السعودي هناك العديد من قضايا "هضم الحقوق".
فنرى ان الصحافية عليها ان تعمل تحت قيادة قد تعمل على إحباطها.
وقد تناول منتدى الإعلاميات السعوديات الثاني في مطلع العام الماضي- الذي أقيم بالعاصمة السعودية بمشاركة عدد كبير من الإعلاميات والصحفيات والمذيعات- كيف تسببت مداخلة للمذيعة "وفاء بكر يونس" في إقالتها من العمل من الإذاعة أثناء حضورها المنتدى برعاية الأميرة "عادلة بنت عبدالله بن عبدالعزيزآل سعود"، والذي نظمه مركز المرأة السعودية الإعلامي تحت عنوان " رؤية إعلامية لآفاق اقتصادية".
وكانت المذيعة قد انتقدت بشدة حقوقها وحقوق زميلاتها المهدرة وذكرت بأنها لم تستلم حقوقها المادية منذ أربعة أشهر إضافة إلى عدم تثبيتها بعد مرور سبعة عشر عاماً من العمل المتواصل. ومعنوياً استشهدت بما حصل لزميلتها من إهانة من قبل زميلها بالعمل وكيف أنها لجأت للإعلام لكي ينصفها ويوصل صوتها للمسؤول بعد أن تجاهلها مسؤولو الإذاعة.
كما تم إيقاف الإذاعية "فاطمة العنزي" عن العمل لنفس الأسباب .
وجاء الرد سريعاً بحق وفاء يونس وفاطمه العنزي من وكيل الوزارة المساعد للإذاعة في خطاب رسمي موجه لمدير عام الرياض بتاريخ السبت 18/4/ 1428 بايقاف التعاون معهما لما وصفه بالانتقادات للمسؤولين في الوزارة دون سابق تفاهم بدعوى، إلى أن مشكلات العمل لا تناقش في الخارج وفي العلن .
وفي نفس المنتدى تم إقرار مجموعة من التوصيات الختامة تتمثل في كل ما تفتقر إليه المرأة العاملة في هذه المهنة منه:
- تحديد سلم وظيفي للإعلاميات.
- ازالت الصعوبات والعراقيل التي تواجهها الإعلاميات في التدريب.
- تطوير الإعلاميات والنهوض بمستواهن في كافة المجالات.
- إيجاد قانون لحماية الإعلامية وحقوقها.
- تقنين منح لقب إعلامية لعدم وجود دراسة أكاديمية تمنح هذا اللقب عن جدارة.
- فتح قسم صحافة وإعلام في جامعة الملك سعود.
- تعزيز صورة المرأة في الإعلام.
- اقتراح وجود وكيلة لشؤون المرأة الإعلامية في وزارة الإعلام .
- تشجيع الصحافة الإلكترونية باعتبارها تقنية تجد إقبالاً كبيراً من كثير من الفئات.
يجدر الإشارة أن محمد رضا هو اول رئيس تحرير قام بتعيين "سارة القثامي" مديرة للتحرير في «عكاظ» بقرار منه صدر في 1980.
ثم عين تركي السديري "خيرية السقاف" مديرة للتحرير في صحيفة الرياض في عام 1981.
وقرر محمد حسن قزاز في البدايات أن يخصص صفحة للمرأة في جريدة «البلاد» وبادر بترشيح الأستاذة "ثريا قابل" لعضوية مجلس إدارة الجريدة.
وتولت الصحافية "سمية جبرتي" مهام مدير التحرير التنفيذي لصحيفة "عرب نيوز" الناطقة باللغة الإنجليزية.
كما وقام الأخوين هشام ومحمد على حافظ بتعيين "الدكتورة فاتنة شاكر" لتكون أول رئيسة تحرير سعودية لمجلة سيدتي في عام 1980.
ذلك بعض من ذاكرة التاريخ لنضال المرأة السعودية في مهنة المتاعب وبعض من سيناريوهات معيشتها.
لعلّ اول دفعة تتخرج من الصحافة والاعلام بعد ثلاث سنوات سيكون لها مستقبلا افضل