من منعها من قيادة السيارة مروراً بكونها صحافية "القطعة" المحظور دخولها المؤتمرات، الى فصلها من العمل لأنها تجرأت على المساءلة، تعيش الصحافية السعودية اليوم داخل قفص محكم الاغلاق، رممه لها مجتمع ذكوريّ متعصّب.
ولكنها تثور والثورات الكبيرة هي تلك التي تتحضّر على نار هادئة.
هناء الخمري- المملكة العربية السعودية
ُبلغت ذات يوم - وذلك منذ حوالى عشر سنوات - بخبر ترقيتي لمنصب "نائب رئيس تحرير". وبعد تلقي التهنئة من الزملاء والزميلات، أخذ الخبرمنحى آخر ومسمى آخر.
وفجأة تجمد أو لنقل تبخر، وذلك بسبب تهديد أحد المسؤولين بالجريدة باستقالته من منصبه لو تسنى لي تولى هذه المسؤولية!
هذه قصة "أمجاد محمود رضا"، صحافية وإعلامية، يتناقلها الوسط الصحفي عند النقاش عن واقع العمل الإعلامي للمرأة في السعودية.
ورضا من اولى الصحافيات اللواتي انخرطن في العمل الإعلامي بعد إنهاء دراستها الأكاديمية في القاهرة وأول امرأة تبلغ منصب مدير تحرير صحيفة سعودية .
أمجاد قالت في حوار لها مع صحيفة الحياة اللندنية أن هناك مشكلة أخرى تعاني منها صحافتنا وهي "عقدة الذكورة"، وهي عقدة مهيمنة.
فالرجال يتولون المناصب القيادية في جريدة نسائية محلية، وبقراءة ترويستها نراها تخلو من أي اسم نسائي قيادي على رغم أنها جريدة موجهة إلى المرأة السعودية والعربية في آن واحد.
غادرت الأستاذة أمجاد الصحافة اليوم وتفرغت للبحوث كما وأصدرت كتابين أحدهما بعنوان: "عمل المرأة السعودية في وسائل الإعلام" والآخر بعنوان "الملتقى الثقافي النسائي بجدة " بعد أن أثير في الوسط أنهم يرفضون منحها في المؤسسة التي كانت تعمل فيها صلاحيات إصدار القرار وإجازة المواضيع للنشر مباشرة كونها امرأة. فالمجتمع الذكوري لم يعتد على هذا القدر من المشاركة رغم أنها مدير تحرير و يُشهد لها بالكثير من الإنجازات ورغم كونها أول امرأة خليجية ومسلمة تتابع عن كسب وتغطي أحداث الحرب الأفغانية الروسية.
نحن لا ندخل النساء
هذا يجعلنا نرغب في الغوص بعد أكثر في الموضوع لنبرز المشكلات التي تواجهها المرأة التي اختارت الصحافة في بلد كالمملكة العربية السعودية.
غالباً ما نلاحظ انه في المؤسسات الصحافية، اسم الرجل يسبق اسم المرأة، دائماً، في الموضوعات الصحفية المشتركة، حتى لو كان الاسم النسائي أعلى منصباً وأكثر خبرة، ما يؤكد عقدة الذكورة التي تحدثت عنها السيدة أمجاد.
لذلك إذا كنت صحافي فمن الطبيعي ان تواجه المتاعب. ولكن، ان كنت صحافي وامرأة في السعودية، فستواجه متاعب أكثر!
تتحدث عن ذلك "صبرية جوهر" وهي مدير تحرير صحيفة "سعودي جازيت" (هي تجيد الإنجليزية بطلاقة). وهي امرأة لا يظهر من وجهها شيء سوى عينيها كونها ترتدي النقاب.
التقينا بالسيدة جوهر داخل مؤسسة "عكاظ للصحافة والطباعة والنشر" حيث مقر عملها ( سابقا ) قبل أن تقدم استقالتها وتسافر لإكمال دراساتها العليا.
" كنت متوجهة لحضور مؤتمر لوزير الخارجية السعودي. فتفاجأت برجل الأمن يمنعني من الدخول كوني "حرمة" أي بمعنى امرأة. فقلت له:" أنا لست كذلك بل أنا صحافية وجئت أمثل الصحيفة باختيار رسمي". لكنه أصر على استغرابه واستنكاره من تواجدي مكررا أكثر من مرة:" نحن لا ندخل النساء ".
اخبرتنا جواهر وهي تحدثنا عن حادثة تعرّضت لها اثناء قيامها بعملها. وكتكملة للقصة، افادت بأنها اضطرت لأن "تنزل الى مستواه" في النقاش حين سألها :"ألا ينتظرك زوجا في البيت لتعدي له طعام الغذاء؟". فردت عليه:" بلى ولابد أن زوجتك أعدت الغذاء لك. مارأيك أن تدعني أدخل ليذهب كلا منا بعدها إلى زوجه؟!".
وقد أنقذها مدير المؤتمر من حوار ملؤه الشد والصد مع رجل الأمن وأمر بإدخالها بعد أن قامت بالاتصال به.
وقد سمح لها الوزير بعد أن ولجت المؤتمر بأن تفتتح المؤتمر بسؤال منها وتختمه بسؤال أخير منها استثناء لم يمنحه أحد.
مما يقودنا إلى الاعتراف بأنه حان أن تتغير النظرة القاصرة للصحفيات التي تأتي كنتيجة اجتماعية بالدرجة الأولى.
ُسمح في العام الماضي، في جامعة "أم القرى"(وهي إحدى الجامعات الحكومية)، ولأول مرة في البلاد، بتدريس تخصص الصحافة والعلاقات العامة للطالبات.
ويرزح تخصص الإذاعة والتلفزيون تحت جدل الامتناع عن فتحه أو تأجيله لأجل غير مسمى ( لاعتراض بعض الآراء التي ترى فيه انتهاك لخصوصية المجتمع الذي لم يعتد ظهور نسائه على التلفاز ).
كل ذلك في الوقت الذي لا تشجع الأسر فتياتها على دخول هذه المهنة خاصة أن المجتمع كان يعتبر كتابة المرأة لاسمها مرفقا باسم عائلتها في الصحف عارا وعيب بالغا.
لذلك كن يستعضن عن اسمائهن بأسماء مستعارة حتى بدأت هذه الفكرة بالاضمحلال شيء فشيء مع برامج البعثات للفتيات بهدف الدراسة في الجامعات الأوربية والأمريكية وانتشار تعليم المرأة. لكن مازال هناك من المتمسكين بهذه التقاليد مما يضطر بعض النساء العاملات في الصحافة الى نشر مواضيعن باسمائهن يليها اسم والدهن عوضا عن الإشارة لاسم القبيلة التي تنتمي اليها اهلها حتى لا تتعرض لمضايقات.
هذا الواقع قيض من فيض من واقع البيئة الاستثنائية الذي تحياها المرأة العاملة في الصحافة السعودية، رغم أنها أثبتت جدارتها من خلال عدة تحقيقات وحوارات ناجحة برغم قلة الأدوات والمعوقات.
أول تلك المعوقات تكمن في عدم توفر اكاديمية اعلام في الجامعات السعودية للفتيات ( وذلك لوجهة النظر التي ترى في ان هذا التخصص لايصلح للمرأة).
فغالبية العاملات في الصحافة تخصصن في مجالات بعيدة كل البعد عن الإعلام كما اعتمدن على الممارسة.
فالمرأة العاملة لا تستطيع قيادة السيارة رغم عملها في مهنة تتطلب الكثير من العمل الميداني.
كما ان المرأة غائبة عن "المطبخ الصحافي" في المؤسسات الصحافية كونها تعيش فقط في أقسام نسائية مغلقة.
وحقيقة تواجد المرأة في هذه المهنة في البداية كان لعدم قدرة الرجل الصحافي مزاكبة الأنشطة والبرامج النسائية في المجتمع. فخصصت المؤسسات لها هذا القسم النسائي لتبدأ رحلة التحرير "داخل الصندوق".