Wednesday, July 19, 2017

في المملكة العربية السعودية: حيازة الكلمات الحرة كحيازة المخدرات


أتذكر الإتصال بالمحامي والحقوقي السعودي وليد أبو الخير من عاصمة أوربية ، لاسئله إذا كان يرى خطورة على حياتي في عودتي للمملكة العربية السعودية بعد نشري مقالات تنتقد الوضع الحقوقي والسياسي في البلاد.

 " هم يستطيعون تكبيل شعبهم، لكنهم لا يجرؤن على فعل أي شيء ضد رجل غربي." هذه ما قاله أبو الخير في حديث هاتفي بيننا ملمحاً بأن حملي لجنسية أوربية قد تحميني من تحرشات السلطات السعودية  . وتابع قائلاً: " الكثير من كتاب الرأي الغربيون كتبوا وانتقدوا المملكة لكنهم لم يعاقبوا، هذا النظام بس يقدر علينا" وقع كلماته مازالت تتردد صداها في رأسي.

اليوم ذات المحامي الذي نصحني بعدم العودة، يقبع في سجون بعد أن وجهت له مجموعة من التهم، منها تشويه سمعة المملكة. 

 وليد رفض فرص الخروج من البلاد بالرغم من كم التحرشات التي تعرض لها من قبل البوليس والأمن السياسي. وليد كان يرفض الهروب للخارج، حتى لا يتهم بأنه مُستغرب وأن أفكاره ووعيه السياسي والحقوقي تأتي من الغرب أو من الخارج الذي لا يشبه الثقافة المحلية كما يروج لها النظام وأتباعه. 
وليد، كان يحاول أن يتحمل كل شيء في سبيل أن يؤكد أن مساعيه من أجل وطن أفضل للجميع هو نابع من داخله كمواطن. على الرغم من أن النظام الديكتاتوري، لا يقوى الإ بتكميم الأفواه وجز رؤوس المختلفون معه في حال تهدد عرشه.

بعد ثورات الربيع العربي لا شيء يخيف النظام السعودي بقدر ١٤٠ حرف قد ينشرها إصلاحيين سياسيين أو حتى حالمين لمستقبل أفضل في شبكة التوتير. هذه التغريدات كانت كافيه للنظام لتبرير إصدار قانون جديد ضد الإرهاب لتستخدمه السلطات لاحقا ضد كل من يطالب بنظام ملكي دستوري   أو أي نوع من الإصلاح. هذا القانون هو ذاته الذي استخدمته المحكمة الأمنية في الرياض لإصدار حكم خمسة عشر عاماً من السجن ضد المحامي وليد .

خلال الغزو العراقي على الكويت 1990، سكان المملكة لم يعرفوا شيء عن الغزو العراقي للكويت لمدة ثلاثة أيام. العائلة المالكة ووزارة الإعلام منعت كل وسائل الإعلام المحلية من البت بكلمة حول حرب الخليج. حرب في الجوار ولا أحد يعرف بذلك، وهذا إن دل على شيء فيدل على قدرة السلطات على التحكم بإنتشار المعلومة. 

 تحدثت إلى الصحفييون القدامى، الذين شهدوا تلك الأيام. تحدثُ عن أن الخوف الذي ملئ الأجواء وسط الإعلاميين العامليين في التلفاز الحكومي والصحف المحلية، لدرجة أن مذيع النشرة الجوية كان صوته يرتجف خوفاً كلما تحدث عن مناخ الكويت والعراق!

الدولة الريعية السعودية، سعت ولسنوات من بعد تأسيسها في بدايات القرن الماضي. أن تخلق رعيه  بدلا من مواطنين. لذلك خلقت نظام رفاه مجاني بدون مطالبة الشعب بدفع الضرائب وعوضا عن الإعتماد الضريبي، سعت لتغطية كل التكاليف من قبل الدخل العائد من النفط. عبر هذا النظام تستطيع ضمان رعيه دائماً ما تكون في حالة شكر وامتنان للعائلة المالكة عوضا عن مواطن يعتمد على حق الضرائب والتصويت للمطالبة بالحقوق..

 نسيت العائلة المالكة أن الألفية الجديدة ستوفر لشعبها وسائل جديدة لا يستطيعون منعها، وسائل يستطيع كل من يعيش في أرض المملكة أن يستخدمها للتعبير عن ذواتهم، مخاوفهم، مطالبهم وأحلامهم، وسائل مفتوحة لا يحتاج فيها المرء المرور بحراس بوابة، يتم تعينهم وخلعهم من قبل وزارة الإعلام السعودي وبالتالي يفروضون هم بدورهم رقابة على رأس كل كلمة.... نسيت العائلة المالكة أن الوعي العالمي،- بالرغم من رقابة المملكة المستبدة -تستطيع أن تخلق مواطنون واعيون كأمثال وليد أبو الخير، حيث لا يترددون بالمطالبة  بحقوق متساوية ، ممارسة حق التعبير والحفاظ على القيم العالمية لحقوق الإنسان.

النظام يعيش حالياً حالة ارتباك تاريخي، ولا يعرف كيف يتحكم بتوسع شبكات الإعلام الجديد، وإنتشار شعبيتها وسط فئة الشباب. النظام فقد السيطرة على هذه الوسائل وكل القصص التي تحملها معها، عابرة كل الحدود والقارات لِتُلهم من هم في الداخل السعودي. التفاعل من خلال الإعلام الجديد يلهم الشعب للسعي من أجل التغيير والسعي في سبيل عقد اجتماعي جديد بين الحاكم والمحكوم. 

النظام مازال يرى حيازة الكلمات الحرة كحيازة المخدرات وكحيازة فكر إرهابي. لذلك مازالوا يأ مرون بحجب المواقع واستصدار قوانين لتقيد الإنترنت وسجن الناشطون الحقوقيون، بدعوى حماية الأمن الفكري والثقافي للمواطن. وهم في الواقع يعنون حماية كراسي السلطة. 

هذه المقالة نشرت في موقع 
The Dissident Blog #14 for Swedish PEN in 2014


No comments:

Post a Comment